عمر ابن الفارض – قصائد في العشق الإلهي

   Ibn Al Farrid

شاعر الصوفية والحب الإلهي
بقلم / ليلى الدردوري
هو عمر ابن الفارض حموي الأصل، ولد في القاهرة سنة (1181م)، نشأ في كنف والديه في عفاف وصيانة وتزهد، واشتغل بالفقه الشافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم انحاز إلى التصوف، فاعتزل الناس عدة سنوات، وانفرد للعبادة والتأمل والتجرد، ولما توفي والده قصد مكة، وأقام فيها خمس عشرة سنة، فنضجت شاعريته وكملت مواهبه الروحية.
فعاد الى مصر فاحتفل الناس به احتفالا عظيما، وأكرموه على اختلاف طبقاتهم إكراما جزيلا، حتى روي أن الملك الكامل نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. وقد توفي في القاهرة سنة 1237م,وفن ابن الفارض في الحب فن الشاعر الذي اضطرم فيه الحب اضطراما حتى أذهله أحيانا، وقد أراد التعبير عن ذلك الحب والإفصاح عما يجول في نفسه منه، فكان كلامه شعرا تضيق بحوره، وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته، وتقصر الألفاظ عن تصوير حقيقته، ويحاول أن يحمل اللفظ مثل ما يحمل المعنى، فيحشر فيه وجوه البديع من جناس وطباق، ويغالي في ذلك مغالاة قلما وصل إليها شاعر، ويعمد إلى التصغير فيكثر منه كما يعمد إلى أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة.

ان ابن الفارض شاعر سامي الروح، صادق العاطفة، متدفق المعاني، جمع من الموسيقا الشعرية، وعذوبة الكلام الشيء الكثير، وإن لم يخل شعره من ثقل وغموض بسبب الصنعة التي انتشرت في عصره انتشارا شديدا فتسربت إلى الشعر بنزعة من التقليد.
لا تزال أشعار الشاعر العباسي عمر بن الفارض موضع اختلاف في تفسير ماهية الحب الذي قصده، فمن قراء ديوان شعره من فهموا معانيه على ظاهر لفظه، وادعوا أن حب ابن الفارض أرضي مادي، وأن غزله كغزل أبي نواس وغيره، ومنهم من تفهموا معاني غزله الحقيقية، ووقفوا على أسرار نفس صاحبه المتجردة، ففسروه تفسيراً صوفياً. حتى دعي ابن الفارض (سلطان العاشقين) إلا أن حبه هو ذلك الحب الرفيع الذي يسمو على المادة وينفلت من قيودها للحاق بمبدع الجمال، وينبوع كل بهاء، ولابن الفارض مذهب خاص في الحب كما له فيه انصراف شديد الوطأة على نفسه، وهو أن يستسلم الإنسان للحب الإلهي استسلاماً كاملاً، وأن يتلاشى فيه، فإن الموت فيه حياة، والتلاشي نعيم وسعادة
.

 

قصائد في العشق الإلهي

 

عمر ابن الفارض

 

شربنا على ذكر الحبيب مدامةً…

 

شَرِبْنَا عَلَى ذِكْرِ الـحَبِيبِ مُدَامَــةً            سَكِرْنَا بِهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُخْلَقَ الكَـرْمُ

لَهَا البَدْرُ كَأْسٌ وَهْـيَ شَمْسٌ يُدِيرُهَا            هِلاَلٌ وَكَمْ يَبْدُو إذَا مُزِجَتْ نَـجْـمُ

وَلَوْلاَ شَذَاهَا مَـا اهْتَدَيْتُ لِحَانِهَــا             وَلَوْلاَ سَنَاهَا مَاتَصَوَّرَهَا الْـوَهْــمُ

وَلَمْ يُبْقِ مِنْهَا الـدَّهْرُ غَيْرَ حُشَاشَـةٍ            كَأَنَّ خَفَاهَا فِي صُدَورِ النُّهَـى كَتْـمُ

فَإِنْ ذُكِرَتْ فِـي الحَيِّ أَصْبَحَ أَهْلُـهُ            نَشَاوَى وَلاَ عَارٌ عَلَيْهِـمْ وَلاَ إِثْــمُ

وَمِنْ بَيْنِ أَحْشَاءِ الـدِّنَانِ تَصَاعَـدَتْ            وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا فِي الحَقِيْقَةِ إِلاَّ اسْــمُ

وَإِنْ خَطَرَتْ يَومْاً عَلَى خَاطِرِ امَرِئٍ             أَقَامَتْ بِـهِ الأَفْرَاحُ وَارْتَحَلَ الـهَـمُّ

وَلَوْ نَظَرَ النُّدْمَانُ خَتْــمَ إِنَائِهَــا             لأَسْكَرَهُمْ مِــنْ دُوْنِهَا ذَلِكَ الخَتْـمُ

وَلَوْ نَضَحُوا مِنْهَـا ثَرَى قَبْرِ مَيّـتٍ            لَعَادَتْ إِلَيْهِ الرُّوحُ وَانْتَعَشَ الجِسْـمُ

وَلَوْ طَرَحُوا فِـي فَيءِ حَائِطِ كَرْمِهَا             عَلِيلاً وَقَدْ أَشْفَى لَفَارَقَـهُ الـسُّقْـمُ

وَلَوْ قَرَّبُوا مِـنْ حَانِهَا مُقْعَداً مَشَـى            وَيَنْطِقُ مِنْ ذِكْرَى مَذَاقَتِهَـا الـبُكْمُ

وَلَوْ عَبِقَتْ فِي الشَرْقِ أَنْفَـاسُ طِيبِهَا            وَفِي الغَرْبِ مَزْكُوْمٌ لَعَادَ لَهُ الـشَـمُّ

وَلَوْ خُضِبَتْ مِنْ كَأْسِـهَا كَفُّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ لاَمِسٍ            لَمَا ضَلَّ فِي لَيْلٍ وَفِي يَدِهِ النَّـجْـمُ

وَلَوْ جُلِيَتْ سِرّاً عَـلَى أَكْمَهٍ غَــدًا            بَصِيراً وَمِنْ رَاوُوِقهَا تَسْمَعُ الصُـمُّ

وَلَوْ أَنَّ رَكْباً يَمَّمُوا تُرْبَ أَرْضِـهَـا            وَفِي الرَّكْبِ مَلْسُوعٌ لَمَا ضَرَّهُ السُّمُّ

وَلَوْ رَسَمَ الرَّاقِي حُرُوفَ اسْمِهَا عَلَى             جَبِينِ مُصَابٍ جُنَّ أَبْرَأَهُ الـرَّسْــمُ

وَفَوْقَ لِوَاءِ الجَيْشِ لَـوْ رُقِمَ اسْمُهَـا            لأَسْكَرَ مَنْ تَحْتَ الِلّوَا ذَلِكَ الـرّقْـمُ

تُهَذّبُ أَخْلاَقَ النَّدَامَـى فَيَهْتَـــدِي            بهَا لِطَرِيقِ العَزْمِ مَنْ لاَ لَـهُ عَـزْمُ

وَيَكْرُمُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الجُـودَ كُفُّـهُ              وَيَحْلُمُ عِنْدَ الغَيْظِ مَنْ لاَ لَـهُ حِلْـمُ

وَلَوْ نَالَ فَدْمُ القَــــوْمِ لَثْمَ فِدَامِهَا             لأَكْسَبَهُ مَـعْـنـى شَمَائِلِـهَا اللَثْمُ

يَقُولُونَ لِي صِفْهَا فَأَنْتَ بِوَصْفِهَــا             خَبِيْرٌ أَجَـلْ عِنْدِي بِأَوْصَافِهَا عِلْمُ

صَفَاءٌ وَلاَ مَاءٌ وَلُطْفٌ وَلاَ هَــوًا              وَنُورٌ وَلاَ نَارٌ وَرُوحٌ وَلاَ جِـسْـمُ

تَقَدَّمَ كُــلُّ الكَــائِنَاتِ حَدِيْثُهَــا            قَدِيماً وَلاَ شَكْلٌ هُنَاكَ وَلاَ رَسْــمُ

وَقَامَتْ بِهَـا الأَشْيَاءُ ثَــمَّ لِحِكْمَـةٍ            بِهَا احْتَجَبَتْ عَنْ كُلِّ مَنْ لاَ لَهُ فَهْمُ

وَهَامَتْ بِهَا رُوحِي بِحَيْثُ تَمَازَجَا اتْـ           تِـحَــادا وَلاَ جِـرْمٌ تَخَلَّلَهُ جِرْمُ

فَخَمْرٌ وَلاَ كَـــرْمٌ وآدَمُ لِـي أَبٌ             وَكَرْمٌ وَلاَ خَمْرٌ وَلِـــي أُمُّهَا أُمُّ

وَلُطْفُ الأَوَانِي فــي الحَقِيقَة تَابِعٌ              لِلُطْفِ المَعَانِي وَالمَعَانِي بِهَا تَنْمُـو

وَقَــدْ وَقَعَ التَّفْرِيقُ وَالكُـلُّ وَاحدٌ              فَأَرْوَاحُنَا خَمْرٌ وَأَشْبَاحُنَـا كَــرْمُ

وَلاَ قَبْلَهَا قَـبْـلٌ وَلاَ بَـعْدَ بَعْدِهَـا             وَقَبْلِيَّةُ الأَبْعَادِ فَهْـــيَ لَهَاحَتْـمُ

وَعَصْرُ المَدَى مِنْ قَبْلِهِ كَانَ عَصْرُهَا            وَعَهْدُ أَبِينَا بَعْدَهَا وَلَهَــا اليُتْـمُ

مَـحَاسِـنُ تَهْدِي المَادِحِينَ لِوَصْفِهَا             فَيَحْسُنُ فِيهَا مِنْهُمُ النَّثْرُ وَالنَّـظْـمُ

وَيَطْرَبُ مَـنْ لَمْ يَدْرِهَا عِنْدَ ذِكْرِهَا              كَمُشْتَاقِ نُعْمٍ كُلَّمَا ذُكِـرَتْ نُـعْـمُ

وَقَالُوا شَرِبْتُ الإِثْـمَ كَـلاَّ وَإِنَّمَـا              شَرِبْتُ التِي فِي تَرْكِهَا عِنْدِيَ الإِثْمُ

هَنِيئاً لاهْلِ الدَّيْرِ كَـمْ سَكِرُوا بِهَـا             وَمَا شَرِبُوا مِنْهَا وَلَكِنَّهُـمْ هَمُّــوا

وَعِنْدِي مِنْهَا نَشْوَةٌ قَـبْـلَ نَشْأَتِـي             مَعِي أَبَداً تَبْقَى وَإِنْ بَلِيَ العَظْــمُ

عَلَيْكَ بِهَا صِرْفاً وَإِنْ شِئْتَ مَزْجَهَا               فَعَدْلُكَ عَنْ ظَلْمِ الحَبِيْبِ هُـوَ الظُّلْمُ

فَدُونَكَهَا فِي الحَانِ وَاسْتَجْلِهَا بِــهِ              عَلَى نَغَمِ الأَلْحَانِ فَهْيَ بِهَـا غُنْـمُ

فَمَا سَكَنَتْ وَالْهَمُّ يَوْمـًا بِمَوْضِـعٍ              كَذلِكَ لَمْ يَسْكُنْ مَعَ النَّغَـمِ الغَــمُّ

وَفِي سَكْرَةٍ منْهَا وَلَـوْ عُمْرَ سَاعَةٍ               تَرَى الدَّهْرَ عَبْداً طَائِعاً وَلَكَ الحُكْمُ

فَلاَ عَيْشَ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ عَاشَ صَاحِيًا            وَمَنْ لَمْ يَمُتْ سُكْرا بِهَا فَاتَهُ الحَزْمُ

عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَبْكِ مَنْ ضَـاعَ عُمْرُهُ              وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ وَلاَ سَهْــمُ

* * *

قلبي يحدثني…

قَلْــبِي يُــحَدِّثُنِي بِأَنَّكَ مُتْلِفِـي              رُوحِي فِدَاكَ عَــرَفْتَ أَمْ لَمْ تَعْرِفِ

لَمْ أَقْضِ حَقَّ هَوَاكَ إِنْ كُنْتُ الّـذِي             لَــمْ أَقْضِ فيهِ أَسًى وَمِثْلِيَ مَنْ يَفِي

مَا لِـي سِوَى رُوحِي وَبَاذِلُ نَفْسِهِ               فِي حُبِّ مَــنْ يَهْوَاهُ لَيْسَ بِمُسْرِفِ

فَلَئِنْ رَضِيتَ بِهَــا فَقَدْ أَسْعَفْتَنِي               يَــا خَيْبَةَ المَسْعَى إِذَا لَمْ تُسْعِــفِ

يَـا مَـانِعِي طِيبَ المَنَامِ وَمَانِحِي               ثَـوْبَ الْسَّقَامِ بِــهِ وَوَجْدِي المُتْلِفِ

فَـالـوَجْدُ بَاقٍ وَالوِصَالُ مُمَاطِلِي               وَالـصَّـبْـرُ فَــانٍ وَاللِّقَاءُ مُسَوِّفِي

عَطْفًا عَـلَى رَمَقِي وَمَا أَبْقَيْتَ لِي               مِنْ جِسْمِيَ المُضْنَى وَقَلْبِي المُدْنَـفِ

لَـمْ أَخْلُ مِنْ حَسَدٍ عَلَيْكَ فَلاَ تُضعْ              سَـهَــرِي بِتَشْنِيِع الخَيَالِ المُرْجِفِ

وَاسْأَلْ نُجُومَ الليلِ هَلْ زَارَ الكَرَى               جَفْنِي وَكَيْفَ يَزُورُ مَنْ لَـمْ يَعْرِفِ

لاَ غَرْوَ إِنْ شَحَّتْ بِغُمْضِ جُفُونِهَا               عَيْنِي وَسَــحَّتْ بِالدُّمُوعِ الـذُّرَّفِ

وَبِمَا جَرَى فِي مَوْقِفِ التَّوْدِيعِ مِنْ               أَلمِ النَّوَى شَاهَدْتُ هَــوْلَ المَوْقِفِ

إِنْ لَـمْ يَكُنْ وَصْلٌ لَدَيْكَ فَعِدْ بـِهِ               أَمَلِي وَمَاطِلْ إِنْ وَعَــدْتَ وَلاَ تَفِي

فَالمَطْلُ مِنْكَ لَــدَيَّ إِنْ عَزَّ الوَفَا               يَحْلُو كَـــوَصْلٍ مِنْ حَبِيبٍ مُسْعِفِ

أَهْفُو لأَنْفَــاسِ الـنَّـسِـيمِ تَعِلَّةً              وَلِوجْــهِ مَــنْ نَقَلَتْ شَذَاهُ تَشَوُّفِي

فَـلَـعَـلَّ نَارَ جَوَانِحِي بِهُبُوبِهـا              أَنْ تَـنْـطَـفِـي وَأَوَدُّ أَنْ لاَ تَنْطَفِي

يَــا أَهْلَ وُدِّيَ أنْتُمُ أَمَلِي وَمَـنْ               نَـادَاكُمُ يَــا أَهْــلَ وُدِّي قَدْ كُفِي

عُودُوا لِمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِــنْ الوَفَا               كَــرَمــًا فإِنِّيَ ذَلِكَ الخِـلُّ الوَفِى

وَحَـيَـاتـكُمْ وَحَيَاتِكُمْ قَسَماً وَفِي               عُـمْـرِي بِـغَـيْرِ حَيَاتِكُمْ لَمْ أَحلِفِ

لَـوْ أَنَّ رُوحِي فِـي يَدِي وَوَهَبْتُهَا              لِـمُـبَـشِّـرِي بِقُدُومِكُمْ لَـمْ أُنْصِفِ

لاَ تَحْسَبُونِي فِـي الهَوَى مُتَصَنِّعاً               كَـلَـفِـي بِـكُـمْ خُلُقٌ بِغَيْـرِ تَكَلُّفِ

أَخْـفَـيْـتُ حُبَّكُمُ فَأَخْفَانِي أَسـىً              حَـتَّـى لَـعَمْرِي كِدْتُ عَـنِّي أَخْتَفِي

وَكَـتَـمْـتُـهُ عَنَّي فَـلَـوْ أَبْدَيْتُهُ              لَوَجَدْتُهُ أَخْـفَــى مِنَ اللُّطْفِ الخَفِي

وَلَـقَـدْ أَقُولُ لِمَنْ تَحَرَّشَ بِالْهَوَى               عَـرَّضْـتَ نَفْسَـكَ لِلْبَـلاَ فَاسْتَهْدِفِ

أَنْــتَ القَتِيلُ بِــأَيِّ مَنْ أَحْبَبْتَهُ              فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ فِي الهَوَى مَنْ تَصْطَفِي

قُــلْ لِلْعَذُولِ أَطَلْتَ لَوْمِي طَامِعاً              أَنَّ المَـــلاَمَ عَنِ الهَوَى مُسْتَوْقِفِي

دَعْ عَنْكَ تَعْنِيفِي وَذُقْ طَعْمَ الْهَوَى               فَـــإِذَا عَشِقْتَ فَبَعْــدَ ذِلكَ عَنِّفِ

بَرِحَ الْخَفَاءُ بِحُبَّ مَنْ لَوْ فِي الدُّجَى              سَـفَـرَ اللِّثَامَ لَقُلْــتُ يَا بَدْرُ اخْتَفِ

وَإِنِ اكْتَفَى غَيْرِي بِطَيْــفِ خَيَالِهِ              فَــأَنَـا الّــذِي بِوِصَالِهِ لاَ أَكْتَفِي

وَقْفــًا عَلَيْهِ مَحَبَّتِي وَلِــمِحْنَتِي              بِأَقَــلَّ مِــنْ تَلَفِي بِـهِ لاَ أَشْتَفِي

وَهَـــوَاهُ وَهْوَ أَلِيَّتِي وَكَفَى بِـهِ              قَسَمـــًا أَكَـادُ أُجِلُّهُ كَالْمُصْحَفِ

لَوْ قَالَ تِيهًا قِفْ عَلَى جَمْرِ الغَضَا               لَــوَقَفْتُ مُمْتَثِلاً وَلَـــمْ أَتَوَقَّفِ

أَوْ كَانَ مَنْ يَرْضَى بِخَدِّي مَوْطِئـًا              لَوَضَعْتُهُ أَرْضـــًا وَلَمْ أَسْتَنْكِفِ

لاَ تُنْكِرُوا شَغَفِي بِمَا يَرْضَـى وَإِنْ              هُـــوَ بِالوِصَالِ عَليَّ لَمْ يَتَعَطَّفِ

غَلَبَ الهَوَى فَأَطَعْتُ أَمْـرَ صَبَابَتِي             مِنْ حَيْثُ فِيهِ عَصَيْتُ نَهْيَ مُعَنِّفِـي

مِنّي لَــهُ ذُلُّ الخُضُوعِ وَمِنْهُ لِي               عِـــزُّ المَنُوعِ وَقُوَّةُ المُسْتَضْعِفِ

أَلِفَ الصُّدُودَ وَلِــي فُؤادٌ لَمْ يَزَلْ               مُــــذْ كُنْتُ غَيْرَ وِدَادِهِ لَمْ يَأْلَفِ

يَـامَــا أُمَيْلَحَ كُلَّ مَا يَرْضَى بِهِ               وَرُضَـابُــهُ يَاما أُحَيْلاَهُ بِـفِـي

لَوْ أَسْمَعُوا يَعْقُوبَ ذِكْــرَ مَلاَحَةٍ               فِي وَجْهِهِ نَسِــيَ الجَمَالَ اليُوسُفِي

أَوْ لَــوْ رآهُ عَائِدًا أَيُّوبُ فِــي               سِنَةِ الكَرَى قِدَمـًا مِنَ البَلْوَى شُفِي

كُــــلُّ البُدُورِ إِذَا تَجَلَّى مُقْبِلاً               تَصْبُو إِلَيْهِ وَكُلُّ قَــــدٍّ أَهْيَفِ

إِنْ قُلْتُ عِنْدِي فِيكَ كُــلُّ صَبَابَةٍ               قَالَ المَلاَحَةُّ لِـي وَكُلُّ الحُسْنِ فِي

كَمَلَتْ مَحَاسِنُهُ فَــلَوْ أَهْدَى السَّنَا               لِلبَدْرِ عِــنْــدَ تَمَامِهِ لَمْ يُخْسَفِ

وَعَلَــى تَفَنُّنِ وَاصِفِيهِ بِحُسْنِــهِ              يَفْنَى الزَّمَانُ وَفِيهِ مَا لَمْ يُوصَـفِ

وَلَقَـــدْ صَرَفْتُ لِحُبِّهِ كُلِّي عَلَى               يَدِ حُسْنِهِ فَحَمِدْتُ حُسْـنَ تَصَرُّفِي

فَالعَيْنُ تَهْوَى صُورَةَ الحُسْنِ الّتِـي              رُوحِي بِهَا تَصْبُو إِلى مَعْنًى خَفِي

أَسْــعِــدْ أُخَيَّ وَغَنِّنِي بِحَديِثِهِ               وَانْثُرْ عَلَـى سَمْعِي حُلاَهُ وَشَنِّفِ

لأَرَى بِعَيْنِ السَّمْعِ شَاهِدَ حُسْنِــهِ              مَعْنًى فَأَتْحِفْنِي بِـــذَاكَ وَشَرِّفِ

يَا أُخْــتَ سَعْدٍ مِنْ حَبِيبِي جِئْتِنِي              بِــرِسَـالَــةٍ أَدَّيْتِهَا بِتَلَطُّـفِ

فَسَمِعْتُ مَا لَمْ تَسْمَعِي وَنَظَرْتُ مَا               لَمْ تَنْظُرِي وَعَرَفْتُ مَا لَمْ تَعْرِفِي

إِنْ زَارَ يَوْمــًا يَا حَشَايَ تَقَطَّعِي               كَلَفـًا بِهِ أَوْ سَارَ يَا عَيْنُ اذْرِفِي

مَا لِلنَّوَى ذَنْبٌ وَمَنْ أَهْوَى مَعِـي               إِنْ غَابَ عَنْ إِنْسَانِ عَيْنِي فَهْوَ في

*** *** ***

 

 

اترك تعليقًا

Please log in using one of these methods to post your comment:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s