
بقلم المؤرخ جواد بولس
لم يعد جائزاً بعد ان تعممت المعارف التاريخية والعلمية على انواعها ، لاسيما في الوقت الحاضر حيث هبت الثقافة الغربية بمختلف رياحها على لبنان والشرق والعالم ، ان يبقى لبنان موضع تساؤل ، او ان تكون هويته التاريخية موضع خلاف.
ان لبنان ، كباقي بلدان العالم ، هو وليد الجغرافية والتاريخ ، اي الارض والزمان. ذلك ان كيان البلدان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية ، التي تطبع المجتمع ، على اختلاف المذاهب ، بطابع خاص، يظهر شخصيته الجماعية ويميزه عن غيره من المجتمعات البشرية .
فلبنان الحاضر، كلبنان الماضي، يشكل وحدة جغرافية واضحة ، مؤلفة من جبال شامخة تنحدر نحو ارياف خصبة شرقاً وشطوط بحرية عامرة غرباً . فهذه الجبال كانت ولا تزال قلعة جبارة تحمي هذا البلد من الاخطار الخارجية وتنشط عند سكانه غريزة الحرية الفردية وروح الاستقلال . اما البحر، وهو طريق مفتوح على العالم الخارجي ، فقد مكن اللبنانيين ، منذ اقدم العصور ، من الاتصال بالبلدان الواقعة على شواطئه ، فساعد على انماء روح التساهل والتسامح وحب التعامل مع البلدان الغربية وتبادل المنافع والافكار مع سكانها .
ان هذه العوامل الطبيعية ، وهي اشد فعالية من كل عامل آخر ، قد كونت وتكون دوما ، في هذا البلد ، وحدة اقتصادية واجتماعية وثقافية ونفسية وتاريخية ، لها شخصيتها الجماعية والقومية والسياسية الخاصة ، الممثلة في الكيان او الوطن اللبناني ، المستمر منذ اقدم العصور . بالرغم من كافة النكبات . وهذه العوامل قد طبعت اللبنانيين المعاصرين والاقدمين ، من اي اصل او دين كانوا ، باخلاق وسجايا نفسية واجتماعية خاصة ، كانت ولا تزال ، العامل الاكبر الذي يجمعهم مع بعضهم البعض ويمييزهم عن غيرهم من الشعوب القريبة والبعيدة .
ان لبنان ، كمجتمع بشري خاص ، بدأ مع التاريخ ، وله في هذا القسم من العالم تاريخ خاص به . وهذا معنى عبارة “لبنان في التاريخ”، عنوان كلمتي هذه . وقد تسنى لنا ، بعد ثلاثين سنة من الدرس والتنقيب ، ان نبين ذلك بوضوح في مجلداتنا الخمسة ، تلك التي تؤلف ” تاريخ شعوب وحضارات الشرق الادنى ، منذ القدم حتى ايامنا هذه ” .
إقرأ المزيد ←